1222883
1222883
روضة الصائم

حرف وصناعات : الكهربائي وصناعة الطاقة

21 مايو 2019
21 مايو 2019

إعـــــــــداد: حمادة السعيد -

هذه الحلقات المكتوبة إنما هي إشارات سريعة وعاجلة، للفت الأنظار إلى قضية مهمة في زمنِ مشكلة البحث عن عمل لتوجيه أنظار الباحثين عن العمل إلى المهن والحرف وعدم احتقارها أو التهوين من شأنها؛ فلقد حثّ الإسلام على العمل أيًّا ما كان نوعه، شريطة أن يكون بهذا العمل نافعًا لنفسه والآخرين غير ضار لأحد، ويكفي هؤلاء الذين يعملون بالحرف والصناعات شرفا وفخرا وعزة وكرامة أن أشرف خلق الله وأفضلهم وهم الأنبياء والرسل قد عملوا بحرفة أو امتهنوا مهنة.

ولقد أشار القرآن الكريم في آياته إشارات واضحة ومباشرة أو ضمنية تفهم في مجمل الآية إلى بعض الحرف والصناعات كذلك حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك وحين يشير القرآن تصريحا أو تلميحا إلى أمر ما فهو أمر مهم وعظيم فالقرآن لا يتحدث إلا عما فيه سعادة وصلاح حال البشرية ومن الحرف التي أشار إليها القرآن الكريم في آياته هي صناعة الطاقة ومنها مهنة من يقوم بتوصيل الكهرباء «الكهربائي».

جاء في كتاب «جامع تراث العلامة الألباني في الفقه» للدكتور شادي بن محمد آل نعمان : «بتصرف»: ومن آداب المساجد: إنارتها بما لا إسراف فيه لقوله عليه الصلاة والسلام في بيت المقدس: «ائتوه فصلوا فيه فإن لم تأتوه وتصلوا فيه فابعثوا بزيت يسرج في قناديله». الحديث رواه أبو داود والحديث فيه مشروعية إيقاد السرج في المساجد لإنارتها وأقل ما يفيده الاستحباب وقد ترجم له أبو داود وكذا البيهقي بـ «باب السرج في المساجد». وأخرج ابن ماجه عن أبي سعيد الخدري قال: أول من أسرج في المساجد تميم الداري. وقد روي هذا مفصلا في «تفسير القرطبي» «روى سعيد بن زبان: حدثني أبي عن أبيه عن جده عن أبي هند رضي الله عنه قال: حمل تميم - يعني الداري - من الشام إلى المدينة قناديل وزيتا ومقطا فلما انتهى إلى المدينة وافق ذلك ليلة الجمعة فأمر غلاما يقال له: أبو البزاد فقام فنشط المقط وعلق القناديل وصب فيها الماء والزيت وجعل فيها الفتيل، فلما غربت الشمس أمر أبا البزاد فأسرجها وخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المسجد فإذا هو بها تزهر فقال: «من فعل هذا؟» قالوا: تميم الداري يا رسول الله فقال: «نورت الإسلام نور الله عليك في الدنيا والآخرة أما إنه لو كانت لي ابنة لزوجتكها» قال نوفل بن الحارث: لي ابنة يا رسول الله تسمى المغيرة بنت نوفل فافعل بها ما أردت. فأنكحه إياها. و«المقط»: جمع المقاط: وهو الحبل والظاهر أن القناديل لم تكن معهودة الاستعمال في عهده عليه الصلاة والسلام لا في المساجد ولا في البيوت إلا أن يكون نادرا فإنه لم ينقل إلينا - فيما علمت - أي حديث يثبت ذلك. بل قد جاء ما ينفي ذلك في أحاديث:الأول: عن عائشة قالت:كنت أنام بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورجلاي في قبلته فإذا سجد غمزني..الحديث وفيه قالت عائشة: والبيوت يومئذ ليس فيها مصابيح. متفق عليه. الثاني: عن أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه: أنه عليه الصلاة والسلام كان ينفتل من صلاة الغداة حين يعرف الرجل جليسه. متفق علي أيضا. وهو ظاهر في أنه لم يكن في المساجد مصابيح يعرفون بها وجوه بعضهم بعضا ولذلك جعل انتهاء صلاته عليه الصلاة والسلام من الفجر حين ذهاب الغلس وابتداء انتشار النور الذي يكشف عن الوجوه. والله أعلم.

ولكن ذلك لا ينفي مشروعية تنوير المسجد طالما أنه عليه الصلاة والسلام قد رغب إلى ذلك في الحديث السابق وعليه جرى العمل فيما بعد. وإنما قيدنا ذلك «بما لا إسراف فيه» لأن الإسراف لا خير فيه ولأنه من إضاعة المال سدى وقد نهينا عنه.

فإذا كان الحبيب صلى الله عليه وسلم دعا لمن أنار المسجد فهي دعوة ضمنية لتعلم هذه المهنة وتلك الحرفة لما يعود فيه من النفع على الناس وييسر لهم أمور حياتهم فلا نتخيل كيف تكون الحياة بدون تيار كهربائي ناهيك عن دخوله في كل مناحي الحياة من صناعات. يقول صلاح شعيب في مدونته والباحث أنس محمد قصار في بحث له:وقد ازدهرت صناعة الطاقة على يد رسول الله، فقد قال لتميم الداري : نورت الإسلام ، نور الله عليك في الدنيا ،والآخرة ، فكانت تلك مكافأة عظيمة لبطل من أبطال الإنتاج ما حظي بها أحد كما حظي بها تميم. وهذا الحديث الشريف يدلل على أهمية الصناعة، وقدر الصناع المخلصين للأمة ، وأيضاً هناك حديث آخر يستدل به على أهمية العمل اليدوي، وقيمة المشروعات الصغيرة، ولكنه يشير إلى البحث عن مصادر الطاقة. جاء في معالم السنن، وهو شرح سنن أبي داود لأبي سليمان حمد المعروف بالخطابي عن أنس بن مالك أن رجلا من الأنصار أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له أما في بيتك شيء قال بلى حِلس نلبس بعضه ونبسط بعضه وقعب نشرب فيه قال ائتني بهما فأتاه بهما فأخذهما رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده فقال من يشتري هذين فقال رجل أنا آخذهما بدرهم فقال من يزيد على درهم مرتين أو ثلاثا قال رجل أنا آخذهما بدرهمين فأعطاهما إياه وأخذ الدرهمين فأعطاهما الأنصاري وقال اشتر بأحدهما طعاما فانفذه إلى أهلك واشتر بالآخر قدوما فأتني به فأتاه به فشد فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم عوداً بيده، ثم قال اذهب فاحتطب وبع ولا أرينك خمسة عشر يوما فذهب الرجل يحتطب ويبيع فجاءه وقد أصاب عشرة دراهم فاشترى ببعضها ثوبا وببعضها طعاما فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا خير لك من أن تجيء المسألة نكتة في وجهك يوم القيامة. إن المسألة لا تصلح إلاّ لثلاث لذي فقر مدقع أو لذي غرم مفظع أولذي دم موجع.وفي هذا الحديث من الفقه جواز بيع المزايدة وأنه ليس بمخالف لنهيه صلى الله عليه وسلم أن يبيع الرجل على بيع أخيه لأن ذلك إنما هو بعد وقوع العقد ووجوب الصفقة وقبل التفرق من المجلس وهذا إنما هو في حال المراودة والمساومة وقبل تمام المبايعة.وفيه إثبات الكسب والأمر به. وفيه أنه لم ير الصدقة تحل له مع القوة على الكسب. وقوله فقر مدقع فهو الفقر الشديد وأصله من الدقعاء وهو التراب ومعناه الفقر الذي يفضي به إلى التراب لا يكون عنده ما يقي به التراب. والغرم المفظع هو أن تلزمه الديون الفظيعة القادحة حتى ينقطع به فتحل له الصدقة فيعطى من سهم الغارمين. والدم الموجع هو أن يتحمل حمالة في حقن الدماء وإصلاح ذات البين فتحمل له المسألة فيها. لقد كان الحطب وقتها مصدراً للطاقة، وصناعة طهي الطعام، وكل الصناعات اليدوية مثل الحدادة، وصناعة السيوف، وغيرها وفي هذا إشارات لتعلم تلك المهنة بكل أدواتها. بل إن من يقوم بهذه المهنة لو أصلح نيته وجعل عمله ابتغاء وجه الله فقد فاز بعون من الله فقد جاء في الحديث الصحيح «وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ».

فهذا هو هدي نبينا فمن اتبع هذا الهدى عاش كريما وكفى بصاحب الحرفة فخرا أن أفضل خلق الله وهم الأنبياء والرسل كانوا يأكلون من عمل يدهم وقد عملوا بحرفة أو امتهنوا مهنة.